الأربعاء، 19 مايو 2021

الدكتور شفيق العماد - رئيس فريق زرع الكلى في اليمن - استشاري الأمراض الباطنة مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا - جمال شيبان

 

لروح الطبيب الإنسان شفيق العماد:

   ما أنت إلا ملك كريم..!

                                                       أ. جمال شيبان

                                                          كاتب وباحث إعلامي

                                                          رئيس تحرير مجلة التأمين الصحي



أيها الشفيق: ليتنا نرحل كرحيلك؛ فمثلك لا يرحل بل من لم ينهل من منهلك، من لم يقتفي أثرك، ومن لم يمشي على خطاك، أما أنت فباقٍ كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء..

ما هذا الوداع العميق؟!

 ما كل هذا السواد الذي خلفه رحيلك المُر ؟!! حيثما يممنا وجوهنا فثمة قصة حزن عليك، ثمة عيون تذرف الدموع دماً وهي تبكيك، وثمة أرواحاً أرهقها الشوق إليك.

ما هذا الكرم؟!

كريماً حتى في حزن الناس عليك، علمتهم الكرم فردوه لك حزناً عميقاً فاضت منه القلوب والأكباد وجعا، فاضت به العيون والمقل دماً ودمعا، وفاضت به الحروف والكلمات ضيقاً ووسعا.

أيها الشفيق: لقد أبكرت الرحيل؟!

ولو كان بأيدينا لما سمحنا لك بالانصراف مبكرا، فالمرضى يئنون من بعدك؛ والأصحاء الذين كتب الله شفاءهم على يديك، وكل الناس الذين يعرفونك، يؤرقهم بُعدك..

ما كل هذا يا شفيق؟!

كيف تسللت إلى قلوبنا؟! كيف تشرَبت بحبك عروقنا؟!!

كلما حاولت أن أخرج من دائرة حزنٍ عليك؛ أغرق في أخرى.

كل يوم وأنا أتابع أجزاءً من شريط حياتك؛ أسمعها وأقراؤها على هيئة قصص وحكايات، قد تختلف في أشخاصها وتفاصيلها من رواية إلى أخرى، إلا أنك وإنسانيتك القاسم المشترك بينها.

عشنا معك وجع إصابتك بالداء الذي أصابك لحظة بلحظة، وأحسسنا به عندما سرى في جسدك؛ يسري في أرواحنا.

كنا نخاف من السؤال للاطمئنان عليك حتى لا تصدمنا الإجابة، تلك الإجابة البائسة، اللعينة التي مللناها وكرهناها: "لم يتحسن بعد"، التي ما أن نسمعها حتى نعود نغط في حزن عميق..!

عندما علمنا بخبر إصابتك، ظننا أنها أسبوعين، ويعود كل شيءٍ على ما يرام، وتعود لنا بابتساماتك "والفَرَقة" المميزة التي بين أسنانك والتي كنا معها نشعر بالاطمئنان في شدة المرض أو الخوف عند مرض من نحب، لكنها كانت جزء من التحاليل التي لا تقرؤها الأجهزة الطبية، وتشير بوضوح إلى أن العلاج ممكناً وأن العافية قريبة، حيث كانت بداية الطريق إليها هو الوصول إليك و"التطبب" على يديك، فقد كان ذلك موهبة وسراً من أسرار الله التي وضعها لديك.

ظننا أنها أسبوعين وتعود سالماً معافاً، حينها فكرنا بطبيعتنا البشرية بأن نطمئن عليك عن بعد عبر "الاتصال" حتى تمر فترة الخطر من العدوى، نعم فكرنا كذلك لأننا بشر ضعفاء عاديون لم نمتلك قلباً مثل قلبك، ولم يكن لدينا رصيداً وهامش أمان مثل ما تمتلك لآخرتك، كل ما فعلته أنت كان عكس ما فعلناه تماماً، ففي الوقت الذي فكرنا في الهروب، كنت أنت في مقدمة الصفوف رغم أنك كنت في حلٍ من ذلك، والحق كله معك، والأعذار كلها في صالحك، فأنت ممنوع من الاقتراب نتيجة ارتفاع عوامل الخطورة لديك وهو ما حدث، وقبل ذلك فقد كنت في إجازتك السنوية التي اعتدت على أخذها في شهر رمضان لتختلي بربك، وإن كانت إجازة شكلية قد يستفيد منها الجسد قليلاً، إلا أن روحك وفكرك لن يكونا معك؛ فهما هناك حيث يكون مرضاك وطلابك وكل من يحتاجون إليك، تعيش معهم وتتواصل بهم لحظة بلحظة. نعم لم تكن بشراً عادياً مثلنا -ومثل البعض- جميعنا آثرنا السلامة؛ فلو كنت كذلك لنجوت ببدنك، لكنه قدرك واجهته بشجاعة، اخترته راضياً مطمئناً، اخترت النهاية التي تحبها، والخاتمة الي تليق بك، ومثلك لا يخاف رحلة الموت الطويلة فقد أعددت لها العدة، وجهزت ما يكفيك فيها، ومثلك لا ينتظر الموت حتى يأتيه بغتة، بل ذهبت باحثاً عنه، مختاراً له، ورغم دعواتنا لك بالسلامة والعودة لنا، إلا أنك أحببت تلبية دعوة من هو الأكرم منا واستبدلت بمصاحبتنا المؤقتة؛ صحبة الدائم الذي لا يزول، ولكل ذلك أدركنا يقيناً أيها الشفيق أنك لم تكن بشراً؛ فما أنت إلا ملك كريم.. شآبيب رحمة ربي ورضوانه تغشاك.

 

 

هناك تعليق واحد: